أسباب التراخي والتكاسل عن الطاعات
إن الملاحظ لحالنا وفي جهادنا لهوانا وشيطاننا يرى كيف يحصل التراخي في الطاعات والتراجع قليلا ومن ثم -نسأل الله الثبات- النكوص
أوجه هذا الموضوع لنفسي قبل أن يكون لغيري وهي ذكرى لها أسأل الله أن يكون حجة لي لا علي
والموضوع حساس وخطير لكن ينبغي للنفس أن تكون لها معه وقفة
فيبدأ التساهل والتراجع بدءا من فتح أقول مرجوحة وأن الأمر فيه خلاف وأنه هناك متسع وهناك أقوال أخرى
فمن تساهل مثلا في صلاة الجماعة دخل عليه من أقوال شاذة ومرجوحة فيزين الشيطان مثل هذا له
ومثله ما يكون من المرأة المسلمة المتحجبة المحتشمة ويدخل عليها الشيطان من باب أن الحجاب هو ما يكون على الرأس فقط دون تغطية للوجه
ثم تأتي النفس الأمارة والهوى وتؤكد هذا بأن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه
ثم تستمر تأكيدات النفس والهوى بأن الله يحب أن تؤتى رخصه وأن الرسول ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما
وتتواصل هذه الأحاديث بمثل : يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا
ويحصل التراجع والتراخي بحجج واستدلالات شرعية فتكون البدايات في نوافل قبل الدخول على الفرائض
وكما هو معلوم أن الشيطان لا يأتي مرة واحدة بل هي خطوة يعقبها خطوات كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان )
فالنوافل تعتبر مصدات للفرائض فيحصل التراخي فيها فيبدأ الأمر بالسنن الرواتب فيكون الدخول عليها من باب أن السنة الراتبة في البيت أفضل-وهذا صحيح- فيكون الذهاب للبيت مع شبه يقينه بأنه لن يؤديها في البيت وهو ما يكون في الغالب فلا سنة أوديت لا في بيت ولا مسجد
ويحصل التراخي بعدم التبكير للفرائض بحجة أن هناك ما هو أهم أو بحجة أن الوقت طويل وهناك متسع وينتج عن هذا التساهل في الصف الأول وكذلك التساهل في تكبيرة الإحرام وفي الحديث : ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله
ويشابه ذلك عدم المكث في المسجد بعد الفريضة بحجة أني مستعجل ومشغول وإذا رأيت في حالنا فإذا كل أوقاتنا مستعجلة ودائما مشغولين ويحصل من هذا ترك الأذكار والاكتفاء بأقصرها مع ترداد لها دون استحضار لمعانيها وحضور القلب
ثم يحصل التراخي أكثر فيكون السفر للسياحة والنظر في أحوال الأمم والشعوب وهذا في البداية ويكون آخر الأمر سفر لأجل زواج المسفار
ثم يكون كذلك الأخذ من اللحية بحجة بعض الآثار وبحجة إن الله جميل ألخ وينسون أو يتناسون بالأصح غيرها من نصوص صحيحة وصريحة
كما ينال الثوب نصيب من التغيير فيطول شيئا فشيئا بحجة أنك لازلت في حدود المباح
وعلاج هذا هو بالمجاهدة المستمرة والمتواصلة مع النفس الأمارة ومع الهوى ومع الشيطان
( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا )
( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي )
( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )
فلهذا معالجة هذه والشهوة الخفية داخل النفس سواء من حب الدنيا وزخارفها أو من حظوظها والنظر لمحاب الله تعالى
فينظر الإنسان دائما لمحاب الله ويسأل نفسه قبل أن يقدم على أي عمل : هل ربي يحب هذا أم لا؟
وإذا علم الإنسان مرض قلبه فليجتهد بعلاجه قبل أن يستفحل المرض فيتفقد قلبه ويعالجه ,
ويعالج هوى نفسه ويأطر نفسه على محاب الله قبل أن يزداد الأمر سوءا ويستفحل ثم تكون الخاتمة بالنكوص ويكون الحور بعد الكور وهو ما استعاذ منه صلى الله عليه وسلم
ولهذا امراض القلوب هي سبب كل داء ومنها داء الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس ورؤية النفس والإعجاب بها فإبليس ما رد أمر الله إلا بسبب إعجابه بنفسه ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) وقد قال تعالى في كتابه الكريم عن هؤلاء المتكبرين : ( سأصرف آياتي عن الذين يستكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا )
ثم على الإنسان أن يكون صارما مع نفسه فيجفف منابع الذنب لديه وينظر من أين دخل عليه الشيطان...
فقد يكون دخل عليه من عينه فيحزم ويعزم ويعتصم بربه ويبدأ مستعينا بربه متوكلا عليه بتجفيف هذا تطهيرا لعينه والتي كانت سببا لمرض قلبه
وقد يكون دخل عليه الشيطان من خلال أذنه سواء من خلال سماع مزامير الشيطان من الأغاني المحرمة أو من التعلق بالأصوات الحسنة
وقد يكون دخل الشيطان من خلال حب المال والمال فتنة كما أخبر تعالى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )
وقد يكون دخل عليه من خلال ولده أو من خلال زوجه ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )
إلى غير ذلك لكن يقف الإنسان وقفة حازمة مع نفسه وعليه مع تجفيف منابع ذنوبه أن يسقي مغذيات قلبه والتي ترقق قلبه وتبعث فيه الحياة
ومنها أن يجتهد بأن يكون له ورد يومي مع كتاب ربه قراءة وتدبرا ولو بجزء يسير وأن يحافظ على الصلوات ويحرص على الصف الأول وتكبيرة الإحرام والقرب من الإمام ويحافظ على الأذكار والاستغفار كما كان نبينا وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة
ويجتهد الإنسان في الدعاء بالثبات كما كان حال نبينا بدعائه : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
ويكثر من دعاء ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
لأن كما هو معلوم التراجع والنكوص يكون بسبب النفس فهو يبدأ منها بدليل قوله تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )
ويكثر من دعاء : اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري ومن شر منيي
ودعاء : اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم
فيسستحضر الإنسان فقره لربه وحاجته له تعالى كما قال تعالى : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله )
وليحرص العبد على الصحبة الصالحة الجادة والتي صحبتها سبب لحياة القلب فإن الشيطان مع الواحد كما في الحديث وهو من الأثنين أبعد والذئب يأكل القاصية من الغنم فلا تنفرد عن إخوانك ولا تبتعد بحجة ما أنت عليه من المعاصي والتقصير فكلنا كذلك والشيطان يفرح بتركك لأخوانك الصالحين ويسهل عليه إغوائك وتختصر عليه الطريق فإخوانك هم سبب بعد الله في ثباتك وزيادة إيمانك فكن معهم ولا تبتعد عنهم ولك في أصحاب الكهف إسوة والذين أخبر تعالى عنهم وأن اجتماعهم إنما كان على طاعة ربهم تعالى ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ) ولك كذلك في قصة الرجل الذي قتل 100 نفس فأرشده العالم لقرية صالحة , فاحرص على بقائك في بيئة الخير والصلاح .
مما راق لي فنقلته لأحبتي